رسائل إلى طفلتي فاطمة: الرسالة التاسعة

الأحد في الثالث والعشرين من نسيان 2023 الساعة الحادية عشر صباحا

طفلتي العزيزة،

أكتب لك هذه الرسالة وفي قلبي الكثير من الحزن، وكل أملي أن تكوني في وقت قراءة هذه الرسالة في كامل عافيتك وقوتك وعاطفتك. سبب حزني هو أنني فشلت في الالتزام بوعدي بتغيير طباعي وما زلت أتطبع بالكثير من الانفعالية. حزني نابع من كوني أرى في عينيك الانكسار والضعف. أقر لك يا بنيتي أنني كائن على شيء من الضعف، وأن الضغوط التي أتعرض لها من الخارج تجعلني انفعالياً، وأنني لا أقارب هذه الضغوط بحلم عظيم. لم أعد أرى بلسماً لرداءة ظروفي وأثرها السلبي عليك إلا أن أدعو الله قانتاً وهذا ما فعلته اليوم في صلاة الصبح. للأسف أنك تتعرضين للكثير من المواقف المحزنة يا بنيتي، وآمل أن يمحوها الزمن من ذهنك مع مرور الوقت. عندما أنظر إليك أرى أملاً بشيء من القوة والمتانة والرصانة في محياك، وهذا ما أعول عليه بكل جوارحي. دعوت الله في صلاة الصبح اليوم أموراً ثلاثة: أولها أن يجعلك على قلب واحد مع أخيك حسين، لأنني مما أرى أجزم أنك لن تنعمي بسند أعظم منه في حياتك بالرغم من خصامك له في الوقت الحالي بسبب غيرة الطفولة. ثانيها أن يجعل الله كلاكما على هدي عظيم لأنني أعلم تمام العلم أن حياتكما بدون الإيمان بالله والركن إليه ستكون جحيماً، فتيقني من ذلك واعلمي أن أي جنوح لك عن هذا الإيمان سيفطر قلبي. ثالثهما أن يهب الله لك ولأخيك كل ما تحتاجان في الحياة منه وحده لا من دونه من البشر، من الرزق والعلم والرفقة الحسنة والقناعة بما عند الله. ولو تتبصري في ما سألت الله لكما تعلمي أني سألت الله أعظم ما قد يسهل لكما مسيرتكما في الحياة الدنيا، وفي ما سيأتي سأستفيض قليلاً في هذه الأمور.

أولها أود أن أقر لك بأن انفعاليتي هي من أعظم ما يسبب الجو المشحون بينك وأخيك، مقروناً بشيء من الغيرة من قبلك. بالإضافة إلى أن الله جعل حسين أخيك على قدر عال من الظرافة التي تسبب فيك الغيرة، إلا أنك أيضاً تنفرين منه كلما علا صوتي عليك وتصرفت معك بعصبية بسبب الفوضى التي تخلفينها. كأنك تظهرين كرهه استنكاراً لتصرفي المقيت والذي أسأل الله وأسألك أن تصفحا عني فيه. وفي هذا الصدد، إن كان من أمر أدعو الله أيضاً به فهو أن يهب لك عندما تتزوجين وتنجبين أطفالاً طفلا كما كان حسين، تعويضاً عن كل الحزن الذي قد تسببه الظروف السلبية لحياتنا في طفولتك. وكوني على ثقة أن لا سند لك في الحياة كما هو حسين، فكوني له ناصحة وكوني له صديقة، واقصديه كي تنعمي بحلاوة رابط الدم الذي آمل أن يقترن بشيء من العاطفة.

ثانيها تيقني يا صغيرتي أن لا حياة لك بدون الإيمان بالله. هل تعلمين أنني رأيت مناماً عندما كنت في رحم أمك كأنها قد أجهضتك. وكان رد فعلي على هذا الأمر أن افترشت الصلاة ودعوت الله قائلاً له أنك ملك له لا ملك لي، وأنه إن أراد أن يأخذك مني قبل أن تولدي فذلك لأن يهز إيماني بأي شكل من الأشكال. وبعدها عاهدت الله أنه إن جعلك تبصرين النور، سأدعوك “فاطمة” كي يكون الإسم نذراً وأملاً بحياتك. تيقني يا فاطمة أن لا حياة لك بدون الله ينفخ في روحك الهدي والإيمان، وأن الله لا ينفخ الهدي والإيمان إلا إذا كان الإنسان طالباً لهما. فعندما تبلغين الحلم اطلبي ذلك من الله، واعلمي ما يترتب من ذلك عليك من واجبات العفة والزهد ونبذ الدنيا وزينتها وحب ما عند الله والإكتفاء به..

ثالثهما دعوت الله أن يجعل لك ولأخيك كل ما يصلح أمر دنياكما ويجعل لكما صحيفة مميزة في الآخرة. دعوت الله أن يهب لكما الرزق كي لا تقتر معيشتكما. ودعوته أن يهب لكما العلم الذي لا رزق من دونه، فاعلمي أن الحياة من دون العلم لا قيمة لها ولا غاية لسيرورتها وأن انقطاع العلم يعني انقطاع كل ما في الحياة من لذة ربانية وأمل وجداني. لذلك أعطي العلم كل الوقت في أول عمرك ولا تلتهي بأي شيء آخر، فأول العمر توضع فيه أسس بنيان حياتك، فبقدر ما تعلمين أهمية وقتك في هذه المرحلة بقدر ما ستكونين على نجاح عظيم. وأخيراً دعوت الله أن يهب لك الرفقة الحسنة وأعظمها الزوج الصالح الذي يحترمك ويوجب لك احترامه، وأنا على يقين أن سيكون لك نصيب في ذلك. فتبصري يا بنيتي في ما أتى في رسالة سابقة، واعلمي أن جهالة الفتيات تضيع لهن كل الحياة، فأربأ بك أن تصبحي في يوم ما على جهالة. واعلمي أن أعظم ما يحيي وجدانك وروحك ويجلب لك السعادة هي العفة وانتظار الشخص المناسب لبناء شراكة معه في الدنيا والآخرة. فتبصري جيداً عندما تجدين نفسك في صدد اختيار هذا الشريك، وانظري في روحه وعقله وقلبه، واجعلي الإيمان شرطاً لقرانك به، كما اجعليه شرطاً لكل صداقة تودينها مع بشر، فإن صادقت من فيه فساد فلن يجلب لك سوى الهوان والذل والإفساد.

وفي النهاية، أودك أن تعلمي أنني أحبك كثيراً.

كوني على يقين دائم أن حبك في قلبي من أعظم ما يكون، وتيقني أنني سأكون دائماً بجنبك طالما أطال الله بعمري، سنداً وعضداً لك وناصحاً ومرشداً، فتقبلي مني كل ذلك واعلمي أن ذلك لن يجلب لك سوى الفوز العظيم إن تبصرت به جيداً.

كوني وردة، كوني نوراً، كوني فخراً لأبيك

أبوك المحب دائماً

أضف تعليق